Click Here!

Choose your language

السبت، 11 فبراير 2017

التاريخ الأميركي.. العرقية والنضال من أجل المساواة

التاريخ الأميركي.. العرقية والنضال من أجل المساواة

تخطى عدد المولودين حديثا من المهاجرين الأجانب بالولايات المتحدة أكثر من 40 مليونا، معظمهم قادمون من المجتمعات غير الأوروبية وخاصة من آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، وبحلول عام  2040  سيصبح سكان الولايات المتحدة من "البيض" أقلية لأول مرة في تاريخ أميركا.
في هذا الكتاب يقدم المؤلف ماساكي كاواشيما -المتخصص في التاريخ الأميركي- وجهات نظر جديدة ورؤية متعمقة لمعضلة العرقية والتمييز في الولايات المتحدة، وتطورها عبر نضال لم ينته حتى الآن. يحتوي الكتاب على مدخل تمهيدي وثلاثة أجزاء تضم بين دفتيها عشرة فصول تنقسم إلى الكثير من المباحث المختلفة.
الأميركانيزمية يركز الكتاب على نضال الأميركيين من أصل أفريقي من أجل المساواة والعدالة، فتاريخهم يضيء بشدة التناقض بين مثالية النموذج الأميركي والواقع الحقيقي. وكيف يمكن لـ "الأميركانيزمية" -التي تمثل مجموعة من العقائد الأميركية تشدد على التمسك بقيم الديمقراطية والحرية- أن تتعايش مع عبودية إرثية وفصل عنصري مقنن حتى بعد إلغاء الرق؟
في أغسطس/آب 1619 هبطت مجموعة من عشرين زنجيا على سواحل فيرجينيا التي تمثل الولايات المتحدة المستقبلية، وقد جُلبوا إلى المستعمرة على متن سفينة هولندية كانت قد استولت عليهم من سفينة إسبانية. ورغم أن بعض الأفارقة كانوا يعيشون آنذاك في مستعمرات بريطانية أخرى بأميركا الشمالية؛ فإن هذه المجموعة تعتبر بداية معضلة الرق والتمييز في الولايات المتحدة.
المجموعة اعتُبِرت سلعا اشتراها المزارعون وتفاوضوا عليها مع البحارة الهولنديين، فمن الناحية القانونية لم يكن هناك عبيد في العالم الجديد -باستثناء ولاية فيرجينيا والمستعمرات البريطانية الأخرى- سوى من استُرِقوا حسب القوانين الأوروبية المعمول بها آنذاك وهم رقيقٌ من البِيض والسود.
ثم صدر القانون الأول للرقيق الأسود بالولايات المتحدة عام 1641 في ولاية ماساشوستس -التي لم تكن موجودة بالأصل حين وطئ الأفارقة السواحل الأميركية- عندما بدأ التجار المستعمرون المشاركة الجدية في تجارة الرقيق.
التمييز والعبودية في الجزء الأول يطرح المؤلف كاواشيما قضية التمييز والتحيز العرقي وارتباطها بالعبودية. ويرسم الخلفية التاريخية للتناقض الأميركي بين التنمية التزامنية لمجتمع منظم على المثل العليا للحرية، وحقيقة واقع "اللا حرية" على الأرض.
وكيف يمكن لجمهورية نالت استقلالها على أساس الحقوق الطبيعية للبشر أن تتعايش مع عبودية وراثية؟ وحتى بعد انتهاء حرب أهلية أميركية كارثية أدت في نهاية المطاف إلى إلغاء الرق، فإن آثاره لا تزال موجودة في التمييز والتحيز ضد السود.
هل كان الرق مرتكزا على التمييز ضد العرق الأسود؟ وهل التراث الاستعبادي لدى البيض ارتكز على العرق كمنتج للغريزة البشرية الطبيعية التي تدفع للحذر من أصحاب المظهر غير المألوف لا سيما أصحاب البشرة المختلفة اللون؟ أم إن نظام العبودية المرتكز على عرق معيّن استُعبِد هو الذي أنتج التحيز ضد هذا العرق وضد ذوي البشرة السوداء تحديدا؟
يؤكد المؤلف كاواشيما أن الرق لم يُنشئ التمييز والتحيز ضد السود في الولايات المتحدة الأميركية، بل أنشأته المصالح الاقتصادية والرغبة في تعظيم المكاسب، فقد بحث التجار البروتستانتيون عن مسوّغ لاستعباد الأفارقة بشكل جديد يضمن لهم استفادة دائمة منهم.
وفي البداية اعتبروا أن هذا المسوّغ هو أنهم قُبض عليهم أسرى في "حرب عادلة"، أو هو نوع من استعباد الغرباء الذين هم على استعداد لبيع أنفسهم كما كان متبعا في بعض الدول ومنها أوروبا.
فقد عرفت أوروبا الرق قبل اكتشاف العالم الجديد بقرون، لكنه كان مقننا بنظام أعطى الرقيق بعض الحقوق، وكانت المبادئ الأوروبية المشتركة حينها تقضي باسترقاق المجرمين المدانين بجرائم وخلال محكوميتهم فقط، ويستشهد المؤلف برواية "عطيل" لشكسبير لتأكيد وقوع حالات تمييز ضد السود آنذاك.
ولكن كاواشيما يتساءل: كيف يمكن لشخص أن يحكم على حرب بأنها "عادلة"؟ وكيف يمكن التمييز بين الحرب وعمليات اصطياد الأحرار وتحويلهم إلى رقيق؟ وكيف نتأكد من رغبة شخص عاقل في بيع نفسه لآخرين؟ أو من براءة من ندعوهم "مجرمين" ونحكم عليهم بالاسترقاق تبعا لذلك؟
كان التناقض جليا عند تطبيق المبدأين الأخيرين على السود، فالرق الأبيض الذي نشأ عن بيع للنفس أو إدانة بجريمة كان تعاقديا، بمعنى أنه محكوم بعقد مؤقت بزمن من أربع إلى سبع سنوات، ومنصوص فيه على ظروف العمل.
ثم بعد انتهاء التعاقد أو المحكومية يسترد المسترَقّ حريته، وتعطى له الأرض والمساعدات المالية ليعيش حياة حرة. لكن في الناحية الأخرى كان الأفارقة يُستعبدون مدى الحياة وبلا تعاقدات أو نصوص على ظروف عمل.
بطلان التميز العرقي في الجزء الثاني من الكتاب يتناول المؤلف المسائل غير القابلة للحل بحكم الواقع المعاش في الفصل السكني، ليس فقط بالعِرق ولكن أيضا بالطبقية؛ فقد اتجه بعض مؤيدي استمرار التمييز ضد السود إلى محاولة فرض نظرية تقوم على تفوق العرق الأبيض، ورفض العمل أو السكن أو التعلم بجانب السود.
وبالفعل انجذبت لهذه الفرضية ولايات الجنوب الأميركي التي بها إرث طويل من التمييز، واندلعت حركات عنيفة ضد السود لمنعهم من محاولة المساواة مع العرق الأبيض، وارتكِب الكثير من الجرائم لمنعهم من حق التصويت والحقوق السياسية.
مع نهاية القرن العشرين؛ بدأ مشروع بحثي دولي مشترك لتحليل الجينوم البشري، وتم الكشف عن نتائجه عام 2003، وقُدّمت بشأنه عدة حقائق مهمة وواضحة.
كان من بينها حقيقة علمية مؤكدة تفيد بأنه ليس هناك أدلة بيولوجية على الإطلاق للتصنيف العنصري، فالانحراف بسبب جينة واحدة داخل العرق الواحد أكبر من تلك الموجودة بينه وبين العرقيات الأخرى.
ولا ينحصر التمييز داخل الولايات المتحدة في السود فقط وإن كان هو الأشد والأقدم؛ إذ يتحدث المؤلف عن حالة الأقلية النموذجية التي يمثلها الأميركيون من أصل آسيوي، فارتفاع الدخل بين أفراد هذا العرق يرجع إلى الإنجازات التعليمية العالية التي يحققها الطلبة الآسيويون في المدارس.
لكن ترسّخ فكرة أن الآسيويين جيدون في الرياضيات لا ينتج عنه سوى الضغط اجتماعيا على أطفال المدارس من أصل آسيوي، ويخفي في داخله تمييزا عرقيا أيضا ضدهم.
ووفقا لإحصائيات عام 2012؛ فإن 84% من ذوي الأصول الآسيوية يلتحقون بالكليات أو الجامعات مباشرة بعد تخرجهم من المدارس الثانوية، على عكس الكثير من الأميركيين البيض والسود.
لكن بعد التخرج وبسبب المنافسة العالمية التي لا ترحم، والتوقعات العالية المطلوبة من هؤلاء الطلاب في أماكن عملهم؛ يَنتج ضغطٌ إضافي على هذا العرق يضاف للتمييز المتأصل ضد الشرقيين عامة، مما يجعل معدلات الانتحار مرتفعة، بالإضافة للمشكلات الذهنية والنفسية التي تنتشر في هذه المجموعة السكانية.
ولم تكن النساء بعيدات أبدا عن التمييز العنصري، فوفقا لإحصائيات وزارة التعليم الأميركي فإن اللواتي حصلن على درجات أكاديمية عُليا ودرجات الماجستير -سواء في إدارة الأعمال أو غيرها- يتقاضين أجرا أقل من الرجال المساوين لهن في الدرجة التعليمية بنسبة 18%.
لكن التمييز الأشد يكون عادة ضد النساء السود، فهؤلاء متوسط دخلهن -وفقا لإحصائيات أقدم- يمثل أقل من 60% من دخل الذكور البيض الموازين لهن في الدرجة العلمية، ورغم التقدم التعليمي والأكاديمي فإن التفضيل العرقي واللوني ما زال يسهم بقوة في تحديد الوضع الاقتصادي للشخص.
عند التفكير في مجتمع مستقبلي أفضل حالا فإن الكلمة المفتاحية في الأمر هي "العولمة"، بما تعنيه من هجرة دولية للعمال الشباب ذوي الدافعية المتحفزة من الدول المتخلفة أو النامية إلى الدول المتقدمة، هذه الهجرة المتعولمة تحمل في طياتها تنوعا ثقافيا وألوانا مختلفة للبشرة مما يخلق استقطابا سياسيا متوازنا.
في النهاية؛ يطرح المؤلف ماساكي كاواشيما رؤيته -بوصفه متابعا ومراقبا خارجيا لفترة طويلة- بشأن بناء قاعدة تأييد واسعة النطاق للمطالب السياسية للقضاء على التمييز داخل المجتمع الأميركي، وكيف أن هذه القاعدة يجب أن تُبنى على مبدأ "الإنصاف" المقبول من أكبر عدد ممكن من الشعب.
وبهذا المعنى فإن فكرة الإنصاف لن تكون معقولة فقط بل ومقبولة أيضا، فالإنصاف هنا يعني أن يتوافق معظم أفراد المجتمع على أن عليهم واجبا تجاه قيم المجتمع الأميركي. القيم التي ارتبطت ارتباطا وثيقا بالفردية والاعتماد على الذات.

المصدر : الجزيرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الزيارات