Click Here!

Choose your language

الثلاثاء، 14 فبراير 2017

شكراً لأنك متأخر

عرض/ مرح البقاعي
هذا الكتاب -الذي صدر حديثاً وتصدّر قائمة صحيفة نيويورك تايمز للكتب الأكثر مبيعاً- من تأليف الصحفي الأميركي الشهير توماس فريدمان، الحائز جائزة بوليتزرثلاث مرات متتالية تقديراً لمنشوراته في جريدة نيويورك تايمز، حيث يعمل كاتب عمود رأي مختص بالعلاقات الخارجية.
وكتابه الأخير هذا -الذي جاء بعنوان: "شكراً لأنك متأخر"- يعتبره النقاد بمثابة دليل ميداني لإحداثيات القرن الواحد والعشرين، إذ كُتب بقلم شاهد على هذا القرن يعدّ من أشهر المراقبين لسياقاته.
فحسب فريدمان فإن "كل واحد منا يشعر في كل يوم جديد أن شيئاً لافتاً وعظيماً يحدث في العالم، في مكان العمل تشعر بهذا الأمر، وحين تتحدث مع أطفالك تشعر به، وبالطبع لا يفوتك أن تشعر نفس الشعور وأنت تقرأ الجرائد اليومية، أو تشاهد نشرات الأخبار في التلفزيون والمحطات الدولية. ولا بد لنا -في النتيجة- من الاعتراف بأن حياتنا تمرّ بتحولات عميقة، دفعة واحدة وبسرعة وتواتر مذهلين".
الحركة التكتونية الجديدة في قفزة جديدة ونوعية في عوالمه الكتابية والفكرية، يعمد فريدمان -في كتابه هذا- إلى ولوج عوالم لم يطأها قلمه من قبل. فهو يطرق باباً جديداً عليه يتعلق بـ"الحركة التكتونية" (Tectonic Movement) التي تعيد تشكيل العالم الحديث، شارحاً لنا أفضل السبل للإفادة من إيجابياتها من جهة، وتخفيف آثارها السلبية بالقدر الممكن من جهة أخرى.
يأخذ المؤلف بيد القارئ -عبر كتابه- ليشرح له رؤيته الخاصة لفهم هذا العالم ما بعد الحداثي، وكيف يقوم بكتابة عموده الصحفي الأشهر في عالم مقالات الرأي. إنها تلك الأفكار العملاقة اللازمة لفهم التحولات الحادة للقرن الواحد والعشرين التي تحكم رؤية المؤلف.
وتتلخّص نظرية توماس فريدمان في شكل مثلث الأضلاع، حيث يرى أننا "نحتاج لفهم القرن الحادي والعشرين إلى استيعاب القوى الثلاث العظمى التي تسيطر على كوكبنا، وهي قانون مور أو (التكنولوجيا)، والسوق والتسويق أو (العولمة)، والطبيعة الأم أو (التغيير المناخي وفقدان التنوّع البيولوجي)".
وحسب فريدمان فإن "تلك المؤثرات الثلاثة تتسارع بصورة فائقة، وذلك التسارع المتواقت سيؤثر بصورة مباشرة على مفاتيح عوالم رئيسة هي: مكان العمل، والسياسات، والجغرافيا السياسية، والأخلاق والمجتمع".
منصّة التكنولوجيا وإذا تساءلنا أثناء قراءة هذا الكتاب: كيف ولماذا تحدث هذه الأمور التي تتفاعل بشكل لحظي في حياتنا؟ فيجيبنا فريدمان بأن "الزيادة الهائلة في القدرة الحاسوبية التي يحددها قانون مور تلعب دوراً كبيراً حيال هذا الأمر".
ويتابع "أن عام 2007 شكّل نقطة انعطاف حضارية كبرى، فإطلاق جهاز الهاتف المحمول آي فون، إلى جانب التطور الهائل في صناعة رقائق السيلكون، والبرمجيات، وأجهزة الاستشعار، ووسائط التخزين، والشبكات الإليكترونية؛ كلها مجتمعة ساهمت في خلق منصة جديدة وغير مسبوقة لعالم التكنولوجيا".
يطلق فريدمان على منصة التكنولوجيا الجديدة هذه اسم: سوبر نوفا، والتسمية تعكس إطلاق مخزون غير عادي من الطاقة القادرة على إعادة صياغة الأشياء بشكل كامل، ابتداء من نشاطنا اليومي العادي في التحرك بسيارة بين البيت وموقع العمل، إلى الشروط والتحولات السياسية والتاريخية التي تحكم مصير الشعوب، مروراً بالعلاقات الإنسانية الخاصة والحميمية.
تلك الطاقة المتعاظمة في مدلولاتها وقدراتها ستخلق فرصاً جديدة للبشرية والأفراد وحتى المجموعات الصغيرة، وستمكن من استخدامها إما لإنقاذ العالم أو لتدميره.
صناعة الثقة كتاب "شكراً لأنك متأخر" هو عمل كتابي حداثي من الفكر المعاصر، يصلح أن يكون بمثابة دليل ميداني لكيفية الكتابة وشرح المواقف والسياسات والظواهر، وكذلك كيفية قراءة وفهم هذه الحقبة من التسارع الزماني والتقاني.
كما أن الكتاب يمثّل حجة مقبولة "للتأخر"، فهذا التأخر هو بمثابة وقفة لتقدير هذه الحقبة التاريخية المدهشة التي تمر عبرها البشرية، وللتفكير في الاحتمالات وتقدير المخاطر. ومن أجل تأكيد هذا النهج؛ قام فريدمان بزيارة مسقط رأسه في مينيسوتا فحدثنا عن تلك الزيارة وربطها بسياق فكرة الكتاب في الفصل الأخير منه.
ويكشف لنا فريدمان -من خلال زيارته لمدينة طفولته وصباه- كيف تمكّن ذلك المجتمع الصغير من خلق ما يدعوه "تربة من الثقة"، يلجأ إليها أبناء المدينة لتكون مرساة في بحر التنوع التقني والتسارع الرقمي للخدمات وأسباب الحياة اليومية.
وقد استطاع فريدمان في كتابه هذا أن يظهر لنا أفضل الوسائل للتغلّب على الضغوط المتعدّدة الوجوه لهذا التسارع اليومي في تفاصيل حياتنا؛ فقال إن الوسيلة الأنجع تكمن في حال توفرت لدينا الجرأة لأن نتباطأ قليلاً -ولو وصلنا متأخرين- لنستخدم هذا الوقت المستقطع من تسارعنا اليومي لإعادة تصوّر العمل والسياسات والمجتمع.
الكتاب الذي بين أيدينا يشكل دليلاً موضعياً للتعامل مع هذا العالم الذي يشدنا من رقبتنا إلى عجلاته الفائقة في السرعة، والتي تسابق الزمن سعياً وراء الطموح العظيم لحركة مستقبلية دائبة نحو الأمام. ويحاول مؤلفه أن يقرأ الحاضر ليقفز بنا بقوة وتصميم نحو المستقبل.

المصدر : الجزيرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الزيارات